الصومال في وسط المدينة
في وقت عملي مع اللاجئين كانت الاوضاع في الصومال تحديدا تثير فضولي. فقد كانت على عكس جنوب السودان دولة حديثة الى حد كبير في فترة ما قبل الحرب الأهلية. المهندسين والأطباء والعلماء الذين وصلوا الى مكتبي كلاجئين تعلموا في جامعات صومالية. عاشو في مدن حديثة وقرى بها بعض التكنولوجيا الزراعية. كانت شهاداتهم الدراسية مكتوبة باللغة الصومالية والأيطالية احيانا. كانو مهذبين جدا وهادئين وكنت ابحث في الوجوه عن هؤلاء الهمج الذين يجبون الشوارع بالسلاح ويرتكبون حوادث الأغتصاب الجماعية التي كانت حدث يتكرر طوال اليوم كل يوم ولسنوات. كنت ابحث في الوجوه عن من كانوا يقتحمون البيوت فيسرقوها ويخطفوا من يريدون منها ثم ينسفوها. كنت ابحث بين الوجوه عن الذين يحبسون اخرين لسنوات ويجبروهم على العمل بنظام العبيد في مزارع مسروقة من اصحابها. كنت ابحث عن الأطفال الذين سيطرت المخدرات على عقولهم فتحولوا لمقاتلين يطلقون النار على المارة بلا تمييز ويمارسون تفسيرا دنيئا لمفاهيم عن الرجولة تعلموها من رجالا انتقصت المخدرات وشهوة الدماء من انسانيتهم. لم اجد احدا ممن بحثت عنهم. كان جميع من يصل الى مكتبي يرتدي وجه اللاجئ. لم يتم انتشالي ابدا من دائرة الشك في كل من تقدم لي. بدأ منذ ذلك الوقت تفكيري في موضوع الهيستيريا الجماعية. ذلك التعطش الجماعي للدماء. العنف يولد عنف؟ هل حقا يمكن ان اتحول الى شخص عنيف لمجرد اني محاطة بأخرين يمارسون العنف؟ ما هي نقطة الانكسار كما يسمونها بالأنجليزية. ما هي اللحظة التي تنهار فيها المدنية في أماكن معينة فتسقط كل الأقنعة عن سكان تلك الأماكن ويظهر الشر المجرد والعنف الجماعي المجرد. كنت دائما افكر في المسافة التي تفصلني عن تلك اللحظة و كان احساسي يقول اننا لسنا بعيدين عنها وكنت اختار ان اكذب احساسي واختار ان اخدع نفسي بالمنطق. اليوم تعلمت مرة اخرى ان اثق في أحساسي فالصومال وصلت اخيرا لمنتصف المدينة
<< Home