Name:
Location: Egypt

Totally lost in the Mediterranean


Monday, June 12, 2006

بابا

مات ابي مرة اخرى
لم يكن ذلك الرجل الذي ذكر اسمه في شهادة ميلادي ابي، الا في الشهور الثمانية الأخيرة من حياته. لم اتغلب ابدا على مرارة تخليه عني حتى بعد محاولاته المحمومة للتعويض والتي لا بد ان اعترف اني استمتعت بها
في نهاية المراهقة وعندما كان ابي لا يزال خبرا يأتيني كل بضع شهور ووجه قاسي اتفنن في الأختباء منه كل سنة او سنتين ظهر في حياتي احمد عبد الله رزة. دخلت منزله لأول مرة مع صديقة كانت تكبرني بسنين كثيرة جدا وكانت صديقته. يومها اكلت في منزله وشربت قهوة ونمت وعزفت على الة جديدة كان قد اشتراها ليضيفها لمعرض الالات الوترية في بيته. لم اعي في ذلك اليوم وربما بعده بفترة ايضا ان هذا الرجل شخصية عامة
خرجت يومها من بيته وهو ابي. تعلقت به بالذات رغم محاولات الكثيرين من من لهم "حق" لعب هذا الدور في حياتي، لعبه بهدوء. كان يرعاني معنويا. كان هو الشخص الذي تستدعيه امي اذا تماديت في غضبي او حزني. عندما مرضت اصطحبني معه الى امستردام في مؤتمر وكان يلف معي الشوارع والمتاحف والمكتبات الى ان وجدت شلة شباب تريحه مني. كان الوحيد الذي صنع لي شاي بليمون وغطاني وانا مريضة. وكأي ابنة بدأت تلك العلاقة الأبوية بتأليهه ثم بالتشبه به ثم بالتمرد على افكاره
عندما مات ابي الحقيقي كانت صدمتي اكبر مما تصورت ان تكون فأخذت قراري الأحمق بأن افطم نفسي عن ابي الأغلى. ابتعد تدريجيا وأعيده الى مكانة الصديق الحميم او الأستاذ. رغم ذلك كنت انظر الى حذاء الرقص الذي اهداني اياه او الكتب التي اختارها لي أو الشهادة التي حصلت عليها برعايته والعن نفسي على قرارات حمقاء. لم تكن قراراتي تلك قابلة للتنفيذ على اي حال. اعود مرة وراء الأخرى الى بيته في الجيزة او في عين الصيرة. اشرب قهوة يعدها لي بنفسه ونحكي عن الوضع العام وعن حماقاتي ومستقبلي ونناقش اخر اخبار ابنته بشرى. قبل رحيلي يمنحني حضنا ابويا أعيش عليه حتى المرة القادمة. في أحد الأيام اتصلت بي زوجته السابقة والتي بقيت صديقته- فمن الصعب ان تنتهي مودتك لهذا الشخص- وقالت لي انه اصيب بأزمة صحية بسبب تعطل منظم ضربات القلب وانه في العناية المركزة ولكن لازيارة هذا اليوم وعلي ان انتظر لليوم التالي حتى اراه. كانت ليلة كابوسية ولكن في اليوم التالي وانا احاول ان اتوقف عن البكاء امام باب العناية المركزة المغلق فوجئت به يطل عليا من وراء زجاج الشرفة ليخبرني انه على ما يرام وانه ينتظرني لنعود للمنزل. أضحك الأن كل ما اتذكر هذا اليوم ولثواني وانا في طريقي لعين الصيرة بعد ان عرفت خبر وفاته هاجمني هاجس انه سيقاوم مرة اخرى وسيكون في انتظاري بحقيبة ملابسه. كان عنيدا جدا فلم يكن احد يستطيع ان يحيا كما كان هو يعيش واني يصل بكل هذه النزاهة والأستقامة من مساكن عين الصيرة الى كامبيردج دون ان يملك مثل عناده. ولكن حتى احمد عبد الله رزة لم يقدر ان يعاند الموت.الكثيرون تحدثوا عنه كشخصية عامة اما انا فلا املك ولا احب سوى ان اتحدث عنه بصفته ابي. على كرت اهداه لي في عيد ملادي كتب صك ابوته ليه "الى ابنتي" ومن يومها وهو يكتب تلك الكلمة الغالية جدا على قلبي على كل ظرف أو ورقة تركها لي
في مجلس العزاء في عين الصيرة كان الكل ابنائه واقاربه واصدقاء عمر. كان الكل, من يمت له بصلة فعلا ومن لا يمت واقفين يتلقون العزاء في رجل قرروا انه يخصهم شخصيا. اما انا فكنت كعادتي في الأماكن العامة، متوجسة حتى صفعتني حقيقة يتمي الجديد عندما قالت لي بشرى وأمها :ابوكي راح خلاص
كنت ارتبك في الكلمة التي اناديك بها في حياتك وللأسف اليوم فقط قلت وانا أخاطب الأخرين عنك بابا