Name:
Location: Egypt

Totally lost in the Mediterranean


Friday, December 16, 2005

هل الأنتحار حلال يا مولانا؟


أمس مررت من امام المخيم الذي أنشأه اللاجئين السودانيين أمام جامع مصطفى محمود. منذ توقف المفوضية العلية لشؤون اللاجئين عن النظر في طلبات اللاجئين السودانيين والكارثة تتصاعد. سيتم توطين 1% فقط من كل اللاجئين في العالم ولكن في مصر يتم توطين حولي 12%
كان من الطبيعي أذن ان تكون مصر محطة جذب لطالبي حق اللجوء بالذات من السودانيين للقرب الجغرافي ضمن عوامل أخرى. وكانت التأشيرات السياحية لدخول مصر تمنح بلا حساب من قبل السفارة المصرية في الخرطوم للسودانيين . لا أظن ان مسؤلي السفارة كانو يجهلون أن اغلب هؤلاء "السياح" لم يغادروا قريتهم من قبل وأنهم لا يملكون بعد تذكرة الباخرة بين حلفا وأسوان أي نقود أخرى. وبين خيار الموت على يد القوات السودانية أو الجنجويد أو قوات الجبهة الشعبية لتحرير السودان (لا فرق أطلاقا بين الكل) كان خيار الرحيل الي المجهول أكثر أنسانية. في القرى التي لما تهاجمها أي من القوات الثلاثة كان الجوع الفعلي هو الخطر الحقيقي. تعلمت من اغلب السودانيين الذين قابلتهم كيف يتم التحايل على جوع الأطفال. وأنا هنا لا أتكلم عن مي صديقتي السودانية التي تشتري ملابسها من لندن كما لا أتكلم عن السوبر موديل أيمان عندما اتكلم عن الصومال. لقد أعتبرت المفوضية العلية لشؤون اللاجئين ان توقيع أتفاقية بين قوتين متحاربتين هو أستقرار للأوضاع يعني ان على كل السودانيين العودة الى السودان. المضحك في الأمر أن أغلب من قابلت من اللاجئين السودانيين في مصر كان هاربا من أضطهاد شخصي لممارسته أنشطة لا تمت للقوى المتحاربة بصلة أو كان يهرب من حالة الموت جوعا التي قد تنقذه منها حتى صناديق القمامة في القاهرة
لم توافق مصر على منح اللاجئين, أي لاجئين, حق العمل او التعليم المجاني. كما لا تسمح بأنشاء مخيمات. مفوضية اللاجئين على الجانب الأخر لا تملك كما يبدو أموال لأعاشتهم أو علاجهم أو تعليمهم. تملك فقط مع باقي منظمات الأمم المتحدة أموال كافية للحفلة الوحيدة التي حضرتها أحتفالا بعيد الأمم المتحدة. يومها ألقى كوفي عنان علينا (كنت أعمل في أحد الهيئات) كلمة من فوق شاشة عملاقة أشاد فيها بمجهوداتنا وذكرنا بأننا أكثر الناس دراية بالفقر وتأثيره ثم تمنى لنا ليلة سعيدة أسهم في أسعادنا فيها 11 مطعم وفندق ومطعم و4 بارات مفتوحة. كانت تلك هي المرة الوحيدة في حياتي التي أطلب فيها كأسا من النبيذ فيأتوني بكوب ماء ممتلئ لأخره بالنبيذ. أنا بالطبع سيئة النية ولا أريد الاعتراف بأنهم كانوا يخففون عني أثار الفقر الذي أتعايش معه يوميا
المهم
تم التوقف عن قبول طلبات اللاجئين ثم اختفت المساعدة المالية الشحيحة والنادرة التي كانت تأتي أحيانا. طرد الكثير من اللاجئين وطالبي اللجوء من البيوت التي يستأجرونها بأضعاف قيمة أيجارها الحقيقية. وأصبح الطعام الوحيد المتاح للأطفال هو ما يتلقاه عدد محدود منهم من عدد من الكنائس. اما العلاج فوهم ورفاهية لا يفكرون فيها كثيرا. المفوضية السامية تنفذ ما تراه مناسبا في ظل اتفاقيات لا يعلم أحد حتى الأن ان لها أي تأثير على حياة المواطن السوداني. أصبح لمن طردوا من بيوتهم أحد خيارين. أما ان تنام كل أسرة خارج البيت الذي طردت منه في أنتظار أن تأتي الشرطة لترحلهم الى حكم بالأعدام او السجن (الأعدام أرحم من السجن في السودان) أو أن يقيموا سويا أمام المفوضية السامية لعلها تتذكر ان الملفات التي أغلقتها تمثل بشر. منعهم الأمن بالطبع من التجمهر أمام المفوضية فأختاروا أقرب مكان لها يتسع لهم وهو ميدان مصطفى محمود وأقاموا فيه
لقد تضرر البعض من منظرهم كثيرا فنحنا نحب الواجهات النظيفة. لا يهم ان في أرض عزيز عزت بيوت غارقة في مياه المجاري ولا أن عزبة أربعة نص لا يوجد بها صرف صحي. المهم ان الشارع الرئيسي نظيف والطريق الذي يمر منه أصحاب السيارات ذات الزجاج الأسود مزروع بالأشجار. لهذا كان هؤلاء اللاجئين وصمة في وجه ميدان مصطفى محمود البراق عادة. أصبحوا كومة قمامة تشوه وجه مدينة المهندسين اللامع. كان لابد للشيخ خالد الجندي أن يأتي على الأوربيت ليفتي بأن ما يفعلوه هؤلاء اللاجئين حرام. ما هو الحلال في حالتهم يا مولانا؟ هل الأنتحار حلال في هذه الحالة؟